قاعدة روسية في البحر الأحمر- صفقة سلاح أم مناورة سياسية؟

المؤلف: عزمي عبد الرازق10.28.2025
قاعدة روسية في البحر الأحمر- صفقة سلاح أم مناورة سياسية؟

أثار الفريق أول ياسر العطا، عضو مجلس السيادة ومساعد القائد العام للقوات المسلحة السودانية، لغطًا واسعًا مجددًا بتصريحاته الأخيرة حول مسألة طلب روسيا إقامة قاعدة بحرية على شواطئ البحر الأحمر، أو بالأحرى "نقطة إمداد وتموين" كما وصفها، وذلك مقابل تقديم الدعم العسكري من أسلحة وذخائر. هذا التصريح يوقظ المخاوف من جديد بشأن احتمالية تحول الصراع في السودان إلى نزاع دولي، كما أنه يوجه ضربة موجعة للعلاقات المتوترة أصلاً مع الغرب.

تجاذبات وتحولات

إن قصة القاعدة الروسية ليست وليدة اللحظة، بل طفت على السطح مرات عديدة من قبل، دون أن تتحقق على أرض الواقع. وقد تحولت طبيعة العلاقة العسكرية مع روسيا إلى بؤرة للخلافات حتى داخل أروقة القيادة السودانية نفسها، حيث يبدو أن التيار الداعم للتقارب بين بورتسودان وموسكو هو الأقوى نفوذًا في الوقت الراهن. فهل هذه الصفقة هي ضرورة حتمية فرضتها التطورات المتسارعة للحرب الدائرة في السودان، أم أنها مجرد مناورة سياسية تهدف إلى إعادة الغرب إلى جادة الصواب وإجباره على إعادة النظر في دعمه لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي؟

تعود جذور فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية على سواحل البحر الأحمر إلى زيارة الرئيس المعزول عمر البشير للعاصمة الروسية موسكو في عام 2017، وذلك في محاولة منه لمواجهة الضغوط المتزايدة التي كانت تمارسها الإدارة الأميركية عليه. فالتدخل الروسي الناجح في سوريا، والدور المحوري الذي لعبه في بقاء نظام الرئيس بشار الأسد، كان بمثابة حافز قوي للبشير في ذلك الوقت، حيث رأى أن وجود دور مماثل لروسيا في السودان قد يخفف وطأة تلك الضغوط عليه.

ولكن ما حدث بالفعل هو أن مشروع إنشاء القاعدة العسكرية الروسية دخل طي النسيان ولم يذكره أحد، إلى أن أعلن المجلس العسكري الانتقالي في عام 2019 عن تجميد العمل بالبروتوكول الموقع بين السودان وروسيا لحين إجازته من قبل السلطات المختصة. ثم سرعان ما تفاجأ الجميع بصدور مرسوم رئاسي من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يقضي بإنشاء قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان!

تذبذب وجهات النظر

من وجهة النظر الروسية، يهدف إنشاء هذه القاعدة في منطقة البحر الأحمر إلى التصدي لخطر الإرهاب الدولي ومكافحة أعمال القرصنة البحرية، بالإضافة إلى تعزيز القدرات الدفاعية لروسيا وحماية مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية في المنطقة. ولكن في حال تحولت القاعدة إلى واقع ملموس – وهو الأمر الذي يبدو أن الحرب في السودان ستعجل بحدوثه – فإنها ستكون القاعدة الروسية الأولى من نوعها على ساحل البحر الأحمر، على غرار قاعدة طرطوس البحرية في سوريا.

لقد اعتادت القيادة العسكرية للجيش السوداني، في أغلب التصريحات الصادرة عنها – بدءًا من وزير الدفاع الفريق أول يس إبراهيم، مرورًا برئيس هيئة الأركان الفريق أول محمد عثمان الحسين، وصولًا إلى الفريق أول ياسر العطا – على إطلاق تصريحات تتسم بالغموض وعدم الوضوح، وتجنب تقديم إجابة قاطعة بشأن وجود اتفاقية رسمية لإنشاء هذه القاعدة الروسية، والاكتفاء بالقول إن المعلومات المتداولة حول هذا الموضوع غير دقيقة.

ولكن على الرغم من هذا الغموض الذي يكتنف حقيقة إنشاء القاعدة الروسية، فإن وجود اتفاقية لإنشاء نقطة دعم لوجستي للقوات البحرية الروسية في السودان هو أمر مؤكد، حيث تم توقيع هذه الاتفاقية في شهر نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020. وتتضمن الاتفاقية بندًا يسمح للأسطول الروسي باستخدام المركز اللوجستي في السودان لمدة 25 عامًا، على ألا يتجاوز الحد الأقصى لعدد الأفراد العسكريين الروس العاملين في النقطة البحرية 300 فرد، وألا يسمح بتواجد أكثر من أربع سفن حربية روسية في المركز في نفس الوقت. وتتضمن الاتفاقية أيضًا بندًا يتعلق بإنشاء محطة للطاقة النووية في السودان بهدف توفير الكهرباء اللازمة لتغطية احتياجات البلاد.

إذًا، هناك استعداد، أو بالأحرى تطورات جديدة تشجع على تفعيل ذلك البروتوكول العسكري والسماح بإنشاء القاعدة الروسية على مراحل، بدءًا من نقطة تزويد السفن الروسية بالوقود والإمدادات، ثم المضي قدمًا في تنفيذ المشروع على مراحل لاحقة. خاصة وأن روسيا، أو الاتحاد السوفياتي سابقًا، هي المصدر الرئيسي لتسليح الجيش السوداني، وفي الوقت نفسه تتوافق مواقف روسيا بشأن ما يتعرض له السودان من تدخلات خارجية مع رؤية الجيش والقوى الوطنية المتحالفة معه.

مشاهد السفن الحربية

من الأهمية بمكان الإشارة إلى أنه قبل اندلاع الحرب، رست سفينة حربية أميركية في ميناء بورتسودان لعدة أيام، وسبقتها السفينة الحربية الروسية "الأميرال جريجوروفيتش"، والفرقاطة "ستويكي 545"، بالإضافة إلى البارجة الحربية الروسية PM-138، التي ارتبط اسمها بمشروع إنشاء القاعدة البحرية الروسية في بورتسودان. كما زارت المنطقة سفن بحرية إيرانية في وقت سابق. كل هذه المؤشرات تدل على الأهمية الاستراتيجية الكبيرة التي يتمتع بها الساحل السوداني، الذي يمتد بطول حوالي 850 كيلومترًا، والذي يضم 48 جزيرة بحرية.

الغالبية العظمى من هذه الجزر غير مأهولة بالسكان، وقد تتحول إلى ساحة صراع في المستقبل القريب، خاصة بعد تصريح الفريق أول ياسر العطا بأنه لا يوجد ما يمنع منح روسيا وأميركا قواعد بحرية في السودان إذا تقدمتا بطلب رسمي. هذا التصريح يعني بالضرورة فتح المجال الجوي والمياه الإقليمية السودانية أمام المواجهات العسكرية المحتملة بين هذه القوى المتنافسة.

قاعدة فلامنغو والدب الروسي

يمتلك السودان قاعدة بحرية عسكرية وحيدة، هي قاعدة فلامنغو البحرية، والتي تضطلع بمهام ومسؤوليات تكتيكية وتعبوية واستراتيجية محددة، وتعمل ضمن نطاق عمليات ومدى معينين. إضافة إلى ذلك، توجد عدة نقاط عسكرية متداخلة على طول الساحل السوداني، بحيث تغطي كامل الشريط الساحلي.

وفي حال تم إنشاء القاعدة الروسية في منطقة فلامنغو، أو في أي منطقة أخرى في ولاية البحر الأحمر، فسوف يستلزم ذلك بناء منشآت جديدة وأحواض بحرية أعمق ومخازن للذخيرة بمواصفات خاصة، مع الأخذ في الاعتبار أن السفن الحربية الروسية تعمل بالطاقة النووية أو الطاقة الذرية، وأن السودان لا يملك القدرات الفنية اللازمة لفحص وتتبع آثار هذه السفن والمخاطر البيئية المحتملة الناجمة عنها، وهو الأمر الذي لا يرغب السودان في التورط فيه.

ولكن في ظل الأوضاع الراهنة، وبعد أن وجد الجيش السوداني نفسه في مواجهة حرب داخلية تهدد بتفكك الدولة، لم يعد أمامه خيار سوى الدخول في تحالفات خارجية، مهما كان الثمن. وفي هذا السياق، يرى الجيش السوداني أن أقرب حليف له هو المحور الروسي – الصيني، إضافة إلى إيران وتركيا، وهي دول لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية داخل السودان، أصبحت مهددة بالكامل بسبب التدمير الممنهج والاستهداف المباشر لتلك المصالح من قبل قوات الدعم السريع.

يبدو أن قيادة الجيش السوداني قد أدركت حجم الخطأ الذي ارتكبته عندما سارعت إلى التطبيع مع إسرائيل، وألقت بثقلها الكامل في أحضان الولايات المتحدة الأميركية، وأطاحت بنظام الرئيس عمر البشير ذي الخلفية الإسلامية، كعربون صداقة وولاء للغرب. ولكن في نهاية المطاف، لم تجنِ قيادة الجيش سوى خيبة الأمل، ووجدت نفسها في مواجهة أخطر تمرد عسكري مدعوم من عدة قوى إقليمية، وهو التمرد الذي تسبب في نزوح الملايين من السودانيين، ويهدد وجود الدولة السودانية نفسها.

أميركا تتدخل

على الرغم من ذلك، لا يبدو أن الفريق أول البرهان يرغب في التخلي عن العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية بشكل كامل، فما زالت هناك تفاهمات سرية قديمة تربط الطرفين، وما زالت واشنطن تراهن على البرهان وتخشى أن يتحول إلى حليف لأعدائها. وهذا ما دفع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى التواصل مع البرهان – بعد تصريحات العطا الأخيرة – وحثه على إنهاء الصراع الدائر في البلاد، والتطرق إلى سبل تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين.

وهذا يعني أن البيت الأبيض يشعر بقلق بالغ إزاء التقارب العسكري المتزايد بين روسيا والسودان، وقد يتخذ خطوات جريئة لمنع حدوث ذلك، أقلها التخلي عن دعم قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي. فمن شأن هذه الضغوط أن تعيد خلط الأوراق على الساحة السودانية من جديد.

حرفيًا، لم يعد لدى السودان حاليًا ما يخسره، حيث تكالب عليه الأعداء من كل جانب، وسقوط الجيش يعني سقوط الدولة. وحتى لا يحدث ذلك، فإن المناورة بورقة القاعدة البحرية الروسية على ساحل البحر الأحمر ستتحول على الأرجح إلى مرحلة التنفيذ الكامل. ومن المرجح أيضًا أن تشهد العلاقات بين السودان وروسيا قفزة نوعية إلى الأمام، وأن يتم توقيع اتفاقيات دفاع مشترك تضمن دخول السودان في الحلف الروسي، ليس فقط لتأمين صفقة الذهب مقابل السلاح، وإنما لضمان الحماية الكاملة من أي تهديدات خارجية.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة